" السرداب"
كتب السيد محمد قنديل:
ذهبت راوية إلى دكتور محمد الطبيب النفسى المعالج لحالة ابنتها الوحيدة ريهام و بدأت تحكى له الهلاوس السمعية والبصرية التى تعانى منها مؤخرا و أنها دائما ما تتحدث مع العرائس و كأنها أشخاص تفهمهم و يفهمونها و أرجع دكتور محمد هذا الموضوع أنها تعانى من وحدة شديدة نظرا لعدم وجود إخوة لها من ناحية و انشغال أمها فى العمل فترات طويلة من ناحية أخرى و لكن بالتأكيد سيوجد حل لحالتها مع مرور الوقت . اقتنعت راوية بما قاله دكتور محمد مع العلم أنه كان يطمئنها فقط فهذه ليست الحقيقة حيث أن ريهام كانت تعانى من هلاوس سمعية و بصرية شديدة جدا و من الصعب حتى على المدى البعيد أن يتم شفاؤها منها . عادت راوية إلى البيت فجأة و دخلت غرفة ريهام و وجدتها تتحدث مع نفسها فى المرآة و لم تدرى أساساً بدخول أمها الحجرة و استمعت راوية لكلام ابنتها فربما تفهم شيئا مما تقوله و تخبر به الطبيب النفسى المعالج لحالتها ربما تساعده فى إيجاد العلاج الأمثل لابنتها و نصتت راوية لكلام ابنتها التى كنت تتمتم بكلمات غير مفهومة فوجدتها تقول سيختفى الآن فصاعدا كل ماحدث و لن يجدى البقاء فى هذا السرداب فالظلام الحالك لن يساعدنى على الهروب من البهو الذى يؤدى إلى الحديقة و بالطبع لم تفهم راوية كل هذه الخزعبلات و الطلاسم التى قالتها ابنتها و ماكان عليها إلا أن تحفظ كل ما قالته لتخبر دكتور محمد بها و بالفعل اتصلت به على الفور لتبلغه بما سمعت . فقرر دكتور محمد أن يأتى للبيت كى يستكشف مداخله و مخارجه ليعرف ما المقصود بالكلمات التى كانت تتمتم بها و لم تفهمها أمها و بالفعل جاء دكتور محمد على الفور و بدأ فى استكشاف مداخل ومخارج البيت ليعرف حقيقة ما قالته ريهام ربما يصل لتفسير كلامها و حدثت المفاجأة التى جعلت دكتور محمد يتسمر فى الأرض و يقشعر بدنه من هول الصدمةتطابق كلام ريهام فعلا مع وصف المنزل من الداخل حيث توجد إحدى الطرقات تؤدى إلى بهو طويل و فى نهايته باب خشبى مغلق يؤدى إلى الحديقة . كيف لها و هى تعانى من الهلاوس السمعية والبصرية أن تكتشف ذلك . لا بد من وجود شىء فى خيالها لا يعرفه احد غيرها و لكن ماذا تقصد بكلمة الظلام الحالك لن يساعدنى على الهروب من البهو . و إيه معنى إن كل ما حدث سيختفى . كلمات مبهمة و غامضة و ليس لها علاقة بالواقع و لكن دكتور محمد أخذه الفضول ليعرف تفاصيل اكثر عن حياة ريهام ربما تكون لها أكبر الأثر فى علاجها و بالفعل بدأ يمشى فى الطرقة الطويلة التى تؤدى إلى الحديقة فوجد عليها نقاط دم جافة لا ترى إلا بصعوبة شديدة و ظل يتتبعها حتى وجد نهايتها عند الباب المؤدى للحديقة . تبادر إلى ذهنه شىء غريب جداً و لكنه اعتزم أن ينفذه حيث طلب من راوية أن تفتح له الباب المغلق المؤدى للحديقة لربما وجد ضالته المنشودة و كان له ما أراد فعندما فتحت راوية له الباب وجد شيئا فى غاية الغرابةعندما وطأت قدمه الحديقة شعر بقدمه تغوص قليلا و الأرض تحت قدمه ليست صلبة فانتبه إلى أن قد يكون شخص ما قام بحفر عمل ليؤذى به ريهام و هذا هو سر مرضها بالهلاوس . و بالفعل ذهب مسرعا و أحضر جاروف و بدأ فى الحفر و بعد دقائق من الحفر حدث ما جعله يسقط على الأرض من هول الصدمة التى كادت تجعله يغشى عليه فقد وجد جثة شاب لا يزيد عمره عن الخامسة و العشرون من عمره فصرخ صرخة مدوية فهرعت إليه راوية لتعرف ماذا أصابه و لكنه لم يتكلم فالصدمة كادت تصعقه و بدأ يتمالك نفسه حتى يعرف منها ما يجعله يكتشف غموض هذه الجريمة الشنعاء و لم يقول لها موضوع الجثة كى لا يصيبها الرعب و الفزع و قرر أن يستكشف ملابسات الحادث و كأنه ضابط مباحث و ليس طبيب نفسى . سأل دكتور محمد عن والد ريهام الذى سافر مؤخرا إلى دولة أجنبية للعمل هناك فى إحدى شركاته فقد كان والد ريهام مليونيرا و له العديد من الشركات الرائدة فى مجال الصناعة . أجابت راوية أنه دائم السفر و لا يستقر فى مصر إلا لفترات قصيرة . كانت ريهام فى الرابعة و العشرون من عمرها و أصيبت بالهلاوس من حوالى ثمانية أشهر فقط و قبلها كانت متزنة تماما و لم تعانى من أى شىء على الاطلاق . بدأ دكتور محمد بالاستعانة بأحد ضباط المباحث للكشف عن الجريمة التى أودت بحياة ذلك الشاب المسكين و بالفعل بدأ ضابط المباحث فى عمل تحريات دقيقة ليعرف منها حقيقة الأمربدأ ضابط المباحث فى طرح أسئلة على راوية و عرف من خلالها أن زميل ريهام فى الجامعة تقدم لخطبتها من حوالى سنة و لكن والدها رفض رفضا قاطعا حيث لم يكن فى مستواهم المادة و كانت ريهام متعلقة به جدا و كان رفض والدها بمثابة صدمة كبيرة لها و لكن ما باليد حيلة . انصاعت ريهام لأوامر والدها و لكن سامى زميلها لم يستسلم بسهولة و بدأ فى مطاردتها فى كل مكان و ثبت لها من خلال صديق لهما أنه طمعان فى والدها المليونير و ذات مرة سافر والدها للخارج و استغل سامى الفرصة و جاء المنزل فى غياب راوية المشغولة بالعمل فى الشركة و حاول إقناع ريهام أن تتزوجه عرفيا كى تضع والدها أمام الأمر الواقع و لكنها رفضت بشدة مما جعل سامى يكشف حقيقته الطامعة و قال لها أنها أمام خياران اما أن تدفع له مائة ألف جنيه ليبتعد نهائيا عن طريقها و اما أن تسلم له نفسها فصرخت ريهام فى وجهه عندما عرفت إنه إنسان متدنى الأخلاق و طردته من البيت بعدما أعطته درس فى الأخلاق مما جعله يستشيط غضبا و حاول التهجم عليها و النيل من شرفها و لكنها بادرته بخبطة قوية على رأسه بتمثال كان على المنضدة أمامها فأردته صريعا و لم تجد سوى أن تسحبه بكل ما أوتيت من قوة و دفنته فى الحديقة بالقرب من الباب الخشبى المؤدى لها و من ساعتها أصيبت بالهلاوس البصرية و السمعية لأنها صدمت مرتين مرة فى الإنسان الذى أحبته و مرة عندما قتلته دفاعا عن نفسها . و عندما واجهها دكتور محمد بما حدث انتبهت من غفلتها و كأنها كانت تغط فى نوم عميق و أفاقت منه وبدأت تتحسن نسبيا شيئا فشىء حتى تماثلت تماما للشفاء و نصحها دكتور محمد أن تذهب و تعترف بكل شىء لتأخذ العدالة مجراها ز أكد له ضابط المباحث أنها كانت تدافع عن نفسها و ذلك سوف يقوى موقفها و بالفعل حدث لهم ما أرادوا حيث أثبتت التحريات أن سامى صارح أحد أصدقائه بطمعه فى والد ريهام و أنه كان يبيت النية للوصول إلى ريهام لتحقيق أطماعه . و هكذا عادت ريهام إلى بيتها ليس فقط بريئة من تهمة القتل العمد و لكن أيضا عادت إلى صحتها و عافيتها و بدأت الحياة من جديد متمنية أن تنسى ذكريات الماضى الأليم متطلعة إلى المستقبل الذى فتح لها ذراعيه من جديد
مجلة العربي الأدبية