-->
مجلة العربي الأدبية مجلة العربي الأدبية
recent

آخر الأخبار

recent
recent
جاري التحميل ...
recent

أ. محمد الدليمي .. الألفاظ اللغوية في القصيدة العربية -مجلة العربي الأدبية




" الألفاظ اللغوية في القصيدة العربية "



كتب أ. محمد الدليمي :

 أرى في المنشورات الفصيحة والبليغة دائما تتخذ من القصائد العربية ما هو معزولا عن الصورة الكلية أو الجزئية هذا من جهة وتدعي لها برصانة المعجم وأصالة النغم ؛ وهذا هو المحمود والعبقرية في شعرنا العربي بل في لغتنا برمتها هي من خلدة التاريخ وزعامة الأدباء وكل واحد منهم حسب مقربته منها نعم هي من تخلد لغتنا لا تحتاج لأبواق كاذبة من اتباع المنهج الغربي ليذكروا لها من أظهار ورونق ودبلاج بل هي من توحي للناس من أحبها ودافع عنها وبدورها ستظهر قوتها وصلابتها أمام الجميع بهذا الحب المؤرخ ؛ ادعوكم اساتيذي الأجلاء الأطلاع على كتابي ( اللغة مبنى ومعنى ) في فصله الأول عن تقسيمات ألفاظ اللغة ( كلمات ، والفاظ ، والفاظ معاني ، ومعنى حقيقي، ومعنى المعنى ) وهذه الخمسة قسمت اللغة بعظمتها وكبريائها فأما التقسيم أولا: ( الكلمات ) ليس قادر عليه من أحد سوى الله سبحانه أن يتكلم بها ويستمد النص كله من قوتها والإحاطة بمعناها ليفهم من خلال ألفاظ النص إنها معقودة مع تلك الكلمات وألفاظ المعاني معقودة مع ألفاظ النص وهكذا دواليك لأخراج الصورة الكلية للنص بعظمتها وسطوع رونقها، ثانيا: ( الألفاظ ) فهذا من اختصاص نوابغ اللغة في عصرنا واستشهدت بقصيدة شريف الرضي:

يا ظبيةَ البانِ ترعَى فى خمائلهِ/ليَهنِكِ اليومَ أن القلبَ مرعاكِ

الماءُ عندكِ مبذولٌ لشاربهِ/وليس يَرويكِ إلا مَدمعُ الباكى

هبَّتْ لنا من رياح الغَوْرِ رائحةٌ/بعد الرقادِ عرفناها بِرَيّاكِ

 فهؤلاء الشعراء السابقين أمثال ابي فراس الحمداني ، والمتنبي ، والبحتري ، وابي علاء المعري ، وبشار ، ..الخ هم أهل اللغة وصولجانها العتيق فهم من نتعلم منهم على الدوام فأدركوا هذه التقسيمات الفضليات للغة والألفاظ لا يستطيع أحد أن يتكلم بها إلا من فهم معنى اللفظ وعرف سبكه مع أخوانه من الألفاظ ؛ وذلك لأجل معناه الجاثم على اللفظ، وهذه القصيدة شاهد على ما نقول معناها جامد ليس فيها أي قراءة تتحمل إلى تأويلات أو قراءات نقدية متنوعة. لأن ألفاظها لها معنى واحد متصل مع أخوه من الألفاظ الأخر فلهذا نجد لا يمكن أن يكون فيها صورة جزئية ( تشبيه ، استعارة ) أو صورة كلية التي لا يمكن تواجدها بين الألفاظ الجامدة التي تحمل معنى واحد وهل يصح تكوينها هنا من المؤكد الجواب ( لا ) ، ومثل هكذا قصائد يحاول الشاعر التخلص من مضايقة الألفاظ التي توقف المعنى بكتماله لمقصودها؛ فيأخذ الشاعر بتصوير تلك الألفاظ بالفاظ المعاني ليخرج لنا أما بالصورة الجزئية أو يمتد بها الى الكلية وهذا ما يظهر لزعامة اللغة بمقاصدها فهي من تحوك ألفاظها بفطنتها وأسلوب الشاعر فكثير من شعرائنا يجهل الألفاظ والمعاني ولكنه يكتب بسلاسة المفهوم وهو ما يقال عنه مطبوع الصنعة، ولكن في زماننا ضعفت لضعف الشاعر بمكانته الأدبية من ناحية ثقافته أو ثقافة معجمه، إذن الصورة الشعرية لا تظهر إلا عبر ألفاظ المعاني أما الألفاظ فتظهر لك المعنى لمقصوده والدهشة فلا تحتاج لزحمة الأفكار أو الرؤى ؛ وهنا يمكن توضيح أمر مهم إن الشعر العربي هو لفظ ومعنى فإن اسقطت أحدهما أخرجته من البوابة العريضة بإنه ليس بشعر ولا يعتبر شعرا ولا يقربه من بعيد ، ومن يسمي المعنى شعرا فهو واهم الأحساس والمشاعر فما هي إلا دعابة يفعلها الشاعر ليسقط بها فريسته. وللتشبيه كلنا يعلم الشحاد الذي يتسول المال هو ممثل بارع فبلسانه الذي تدمع العين من أجله ويفطر القلب من ذكره، فهل نستطيع أن نسميه شاعرا فكذلك هو قائل القصيدة الحرة أو التفعيلة أو النثرية ؛ فكلها نثرا لا يقوى أن يكون شعرا رصينا ، والشعر هو قاعدة ما بين اللفظ والمعنى من وزن أي وزن المفردة ووزن البيت ، والثاني هي القافية، وهذا ما يخص اللفظ وأما المعنى؛ فهو يتكون من قسمين معنى البيت الواحد لمقصوده ، ومعنى القصيدة لمقصودها يجب أن يرتبط الأثنان ببعضهما البعض وهذا ما يخص المعنى . واتمنى من شعرائنا أن ينتبهوا لهذه عندما تقول قصيدة عربية وتخلط ما بين المعاني فتضعف مقصودها وتحدث ضجة عارمة فيها؛ وبعد ذلك تصبح قصيدتك لا يمكن وضعها في ديوان القصائد لأنها خارجة عن مألوف الشعر .

أما ما نجده من شعر حر أو التفعيلة أو القصيدة النثرية في أدبنا العربي الذي لا يقبل على نفسه أن يكون تبعا أو نظيرا له، أنظر إلى شخصية هؤلاء الذين ينتجون ذلك الأدب ، أولا: شخصيتهم غير مستقيمة كثيرة الأهواء وعقليتهم فلسفية سخيفة ليس فيها أنتاج أدبي حقيقي، بل كل الذي أنتجوه هو عبارة عن تبعا لمن هو أقل شأنا للغتنا الرصينة ، وما كان ذاك إلا عمالة لأطاحة بالأدب العربي من عليائه، أو سفاهة ليقال عنه شاعرا ، أو هم قوم تبع لا جدوى من الحديث معهم جيناتهم كفيلة بهم . 

ومن الحرص على اللغة العربية هو الحرص على أدابها وعلومها،وبالتالي تضيف لنا من مقومات الشخصية الناضجة والعبقرية البديهية وأضافة لذلك هي رصانة اللسان . اللغة العربية ليست لغة أدبية فحسب بل هي كيان يوحي إليك ما تحتاجه بإذنه تعالى، فيظن الكثير من الأدباء إن أختل بمضمون ما في اللغة فهو ليس مسؤول عن ذلك الخلل! بل يظن أكثر من ذلك في أدباء أخرين هم من يصحح له المسار بعدما أخذ جائزته التي سعى لها ؛ ونسي حظه من اللغة التي ترد عليه وعلى من وقف بجانبه من المنافقين حتى تهلكه لما فعل بها من تزييف ، أو تحريف ، أو تبديل، وكنت ومازلت أنظر لهؤلاء بعين صغيرة وأنظر كيف ينصرون المناهج الغربية التي تعم مكتباتنا والمنتديات الثقافية فتجد شخصيتهم بين هؤلاء فقط مع الدعم الكامل والحصين ، أما في نفسي لم تتجاوز ذيل بعير، ولكن ننتظر سخط الله عليهم لما يقدموه من أذلال للغتنا العظيمة. 

ولا أعرف اتباع الشعراء القصيدة العربية لهؤلاء الشرذمة هل هو سخط في إنفسهم لفهم معنى الشعراء في كتاب الله سبحانه على إنهم أقل منزلة أو هم المنافقون ؟ أجيب عن هذا التساؤل الذي حير الأدباء والفقهاء وبدؤوا يتخلصون من الأجابة بإضافة المعاني لما لا يحتمله النص القرآني أو منهم قالوا الصالحون منهم مستثنون . فأقول هنا عن الأجابة : إن لفظة الشعراء هي من ألفاظ المعاني أي تتخذ معنى السياق معنا لها فلا ينقص من معناها الحقيقي شيء ( والشعراء يتبعهم الغاوون ) فإذا رسمت اللفظة على إنها من الألفاظ فهنا كل شاعر هو غاوي ، ولكن بعدها جاءت الآية ( إنهم يقولون ما لا يفعلون ) وهذه صفة المنافق ، ولكنا هنا لو استبدلنا لفظة الشعراء بلفظة المنافق التي هي اللفظ في اللغة وما لفظة الشعراء إلا أحد ألفاظ المعاني لها ، فكان أصل هو والمنافقون يتبعهم الغاوون ألم ترى إنهم في كل واد يهيمون وإنهم يقولون ما لا يفعلون وهذا مطابق لما جاء في أحد السور المنافقون يقولون ما لا يفعلون، فلفظة الشعراء جاءت لتنبه المتلقي وتجميل النص بلفظتها المحببة لكل إنسان ، وما هي المقصودة في النص بل المقصود هو المنافق ، فالشعر منزلته عظيمة في اللغة وهو أحد أركانها ومنزلته عظيمة عند الله سبحانه وهو القائل ( إنه ليس بالشعر ولا بالهزل ) أنتبه أعزك الله كيف بين الله سبحانه منزلة الشعر في كتابه الكريم قدم الشعر على الهزل فله بذلك من العظمة والأمر الثاني اعطى مكانة للشاعر في الأدب العربي. 

 إذن لفظة الشعراء لا تعني النفاق وإنما القول الذي يقوله الشاعر ليرفع إنسان وضيع أو ينزل من منزلة إنسان كريم فذلك يحذرنا الله منه فهو يعد من الكبائر عند الله وذلك لمنزلة الشعر في اللغة ومنزلته عند الناس على سواء ، فحذاري لمن أمتلك هذه الصنعة تتخذها هزوا بين الناس أو استهزاءا عليهم فالشعر يعد السلاح الذي يدافع عن رونق اللغة ، وهو كذلك أحد أركانها فإذا أهتز ضاع سلاحك وجبروتك في اللغة فلتعي إذن واعية وليبصر من له بصيرة .


ملاحظة: مقتطفات من كتابي بلاغة الشعر ، والشكر موصول لدكتور رمضان الحضري ، والدكتور حسن مغازي ، والأستاذ عباس الصهبي ، في تشجيعي وما نهلت من العلم الفضيل من جنابهم الكريم وأنا شاكرا لهم على الدوام .

 أ. محمد الدليمي 

العراق 

   مجلة العربي الأدبية 

أ. محمد الدليمي .. الألفاظ اللغوية في القصيدة العربية


التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

مجلة العربي الأدبية

2022