-->
مجلة العربي الأدبية مجلة العربي الأدبية
recent

آخر الأخبار

recent
recent
جاري التحميل ...
recent

أ.محمد الدليمي .. الشعر وما كان من القصيدة العربية -مجلة العربي الأدبية




 الشعر وما كان من القصيدة العربية 



كتب أ. محمد الدليمي :

الشعر العربي : هو كلام موزون يلتزم بتفعيلاته المحددة مع وجود القافية . كان العرب يقولون الشعر لوصف ألآمهم وفرحهم وصلواتهم واحزانهم وفخرهم وبطولاتهم ومشاعرهم في الحب وتاريخهم وثقافتهم . 

وقد ذكرنا إن اللغة العربية توقيفية من عند الله سبحانه ، فكذلك الشعر هو توقيفي من عند الله، وقد ذكرت حادثة الرؤيا للشيخ الجليل إمام اللغة أحمد خليل الفراهيدي الأزدي العماني؛ فإن تلك الرؤيا الجليلة برهنت على إنها من عند الله للزوم القصيدة العربية من العبث. وتحديد أنواع تفعيلاته وأعدادها لكل نغم من أنغام الشعر العربي . 

الشعر العربي أو القصيدة العربية مكرمة من قبل الله في عدد من الآيات القرآنية ، فمن عبث فيها فهو محرف لركن اللغة ألا وهو الشعر العربي، فأياك ثم أياك أيها الشاعر أن تعبث في تفعيلات النغم تزيد أو تنقص أو تحرف نغم من مكانه أو ترفع قافية أو تزيل رويها ، فكل ذلك كان عند الله خطاء كبيرا فلا تحمل نفسك أثما عظيما وأنت لا تدري . 

القصيدة العربية مظهرها الخارجي مهم جدا فهي تتكون من صدر وعجز في البيت الواحد ، والصدر له نغم يوافق نغم العجز ، ولكن معنى الصدر مكتمل ويبقى مقصده غير مكتمل إلا بتمام عجز البيت 

وإذا المنية أنشبت أظفارها

                            ألفيت كل تميمة لا تنفع

وبيت أخر :

فأعجب لهن سهاما غير طائشة

                          من الجفون بلا قوس لا وتر

انظر أخي القارئ إلى صدر البيتين المعنى تام ولكن مقصوده غير تام يبقى غامض إلى أين يرمي القائل ، حتى يتم المقصود في العجز ، ولا تطيل فيه إلى بيت أخر وإن صح أكتمال المعنى لمقصود في البيتين إلا الأصح والأجدر أن لا يتجاوز البيت الواحد. 

وهنا تجدر الإشارة إلى الشاعر لا تستخدم ألفاظا أو أحرفا لا تنهي المعنى في الصدر بل ينتهي المعنى في العجز ، حتى إذا تلقى القارئ البيت احتيج لأكمال العجز ليفهم المعنى والمقصود معا، وهذا عجز في الشاعر نفسه لقلة ثقافته في المعجم ( الألفاظ ومعانيها) ، والأمر الثاني هو بأتفاق الأدلة على توقيفية اللغة العربية إذن محصلتها توافق كل نغم من انغام الشعر العربي له معاني مستقيمة في أي موضوع تحدثت عنه في شعرك ، وهذا أيضا دليل لتوقيفية اللغة ، وعجز الإنسان بالأتيان بمثل هذا التوافق الدقيق. 

وتجدر الإشارة هنا إلى نغم البحر ، الذي ذكره أحمد خليل الفراهيدي لكل غرض من الشعر نغم البحر الذي وضع لأجله.

والشعر العربي يتكون من لفظ وهو النغم ، فمن سقط منه نغم الشعر سقط الشعر من عنده، أما المعنى فهو تركيب الألفاظ كلما برعت في أختيارها حسن علم البلاغة لديك ، ومن حسنت بلاغته حسن علم النحو عنده فالبلاغة أعلى شأنا وأبلغ. 

والمعاني موجودة في جميع اللغات فلا تختص بالشعر كسمة اللفظ فهو النغم والتركيب والبلاغة والنحو وسائر علوم العربية وآدابها .

 أما المعاني هي الصورة التي تنشأ في ذهن الشاعر، فيلقي بها، وتبدأ الألفاظ تزركش الصورة وتضع لها الألوان وتميز ما تحتويه من مساقط وخطوط، فمهمة اللفظ أجل وأعلى، فلا يمكن أن نساوي ما بين اللفظ والمعنى لمجرد ذكر كلمات فيها إحساس ومشاعر لا ترقى أن تكون لحظة من اظهارها واختفائها، أما الشعر كلنا تأثر فيما نشده من الشعراء أمثال أمرئ القيس أو عنترة ابن شداد ، أو المتنبي أو أبي فراس الحمداني، أوالبحتري؛ التأثير يكون في الألفاظ المنسجمة بنغم واحد مستقيم ومسبوكة بصلابة النغم البيت، وما المشاعر إلا متحسسات في العقل - هنا على إن اللغة موجودة في العقل البشري منذ إن قرأ سبحانه على آدم عليه السلام كتاب الذكر - فما إنسجم منها بتأثرها مع ضرب على أوتارها واحد تلو الأخر صعودا دون تخبط وكذلك نزولا ستهتز المشاعر بتوازنها صعودا صعودا حتى يحفظ البيت ويعيش حالته دون ملل من تكراره، ويسكن النفس ؛ كل ذلك جاء من فعل اللفظ ، ووزن النغم ، وقوة السبك.

أما المعاني فلا يوجد تأثير لها بالبته سوى إنها تنعش النفس بعد تأثر الألفاظ في سماعها ، وتبدأ تلك الصورة تتحسن رؤيتها على قدر فهم المتلقي لتلك الألفاظ وهذا بديهي لا يفهم النص مثل أولي الألباب وبعدها العلماء، ومن ثم الباحثين ، وبالتالي المثقفين ، وأخيرا من كان له حب للغة ولم تسعفه حياته لدراستها. 

إن دراسة اللفظ والمعنى اتخذت سبيلا غير سبيلها الحقيقي أو الذي وضعت من أجله اللغة ، وقد قارن الباحثين وعلماء اللغة ما بين اللفظ والمعنى وهذه أول خطوة فشل فيها الباحثين أو العلماء من حيث المقارنة . وهل يقارن بين عنصرين لا يتطابقان في التكوين ، اللفظ مادة يمكن التعامل معها من اشتقاق أو جمع ، فما عساني أن أفعل بالمعنى وهي صورة ، فالجاحظ العالم الجليل قال مقولته العظمى ولكن هل فهمها أهل عصرنا أو الذين سبقونا بعد الإمام الجرجاني ؟ بالتأكيد كل من قارن بين اللفظ والمعنى من ناحية البنية فهو واهم في المقارنة ؛ والسبب ذكر أعلاه. 

الإمام الجاحظ اشارة في مقولته العظمى لكثير من الأمور ، منها من فهم بعضها وهو الشيخ ابن قتيبة والإمام ابن جني والإمام الجرجاني ومنهم من فهم بعض الشيء فكان سباق لها ليفي قاعدته النحوية أو البلاغية وهم علماء النحو والبلاغة؛ فقضية اللفظ والمعنى ليست هينة كي يفهمها عالم أو حتى أولي الألباب ، لأن لغتنا توقيفية لا يستطيع الإنسان إن يفرغ من علم إلا وأظهر عجائبه أمامه فكان كالذي دخل البحر وخرج منه فلم يقتبس من البحر إلا ما ابتل جسمه من الماء . وهذا ما يدعونا إلى البحث من جديد في هذه القضية العظمى وتجدر الإشارة هنا ليست دراسة كما سبق بل دراسة من خلال ما أشار إليها الجاحظ وابن قتيبة وابن جني والجرجاني أئمة علماء اللغة، من خلال الإشتقاق المعنوي للغة كما ذكرته في منشورات عدة، وبهذه الطريقة يمكن لنا إن ننهض بلغتنا العظيمة وبمجتمعنا الراقي إلى منزلته التي حدثنا عنها سبحانه قال تعالى ( كنتم خير أمة اخرجت للناس ) فلا تهنوا ولا تعبثوا فيما ليس منه طائل إلا الجهد والحمى ، قوموا لله قانتين وسبحوه بكرة واصيلا عسى أن يرضى عنا ويغفر لذنوبنا . 


ملاحظة : الموسيقى لحن وايقاع فإذا سقط الإيقاع ما فائدة اللحن، وسأروي لكم حكاية كنت اعرف شخصا يعزف على العود من دون مقام بل يعزف على وترين فقط فينتج لحنا من دون إيقاع ( مقام ) وكان اصدقائي يستمعون له فرحين ، فما أن زارنا أحد عازفي العود فأستمع فقال أعزف قال له فضحتنا ياأخي فضحك واعطاه العود فعزف ولم ينبهر أحد الجالسين لأنهم لم يروا اختلافا كبيرا بينهما وحتى عندما سألهم لم يعط أحد أجابة شافية ! فكذلك الشعر العربي والشعر التفعيلة فأنت يستمتع معك من جهل العربية ومن جهل بلاغتها ومن جهل الموسيقا ومن جهل نغم الغرض الشعري ومن جهل الشعر العربي . 


مقتطفات من كتابي بلاغة الشعر 

 أ. محمد الدليمي 

العراق 

   مجلة العربي الأدبية 

أ.ومحمد الدليمي .." الشعر وما كان من القصيدة العربية "


                                       

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

مجلة العربي الأدبية

2022