-->
مجلة العربي الأدبية مجلة العربي الأدبية
recent

آخر الأخبار

recent
recent
جاري التحميل ...
recent

أ. مدحت صلاح .. نص " المقامر " - مجلة العربي الأدبية



" المُقامِر "



كتب أ. مدحت صلاح :

حَدقتان حَائرتان .. يدان ترتعدان، العرق يَغمرُ جَبينكَ .. قلبُكَ تتجاوز سُرعتهُ بطل العَدو في الأولمبياد .. الإنتظار يَحرقُ أطراف أعصابك .. الترقُب .. التوتر .. الشعور المَحفوف بالخطرِ قريبًا .. قريبًا جدًا .. مشاعرك تأخذ أعلى مُنحنياتها .. جَسدك مَشدودً كوترِ قَوس "وليم تيل" .. وحَواسُكَ مَشحوذة مُتحفزة كسيفٍ دِمشقي.


أنتَ بين يدي القدر.. والحظ.. وقليلًا من المهارة، وبعض الذكاء .. لا تعلم ما قد تُخبئهُ لكَ الورقة التاليه في يدي خصمك .. تتحسس أوراقك وتُعيد قراءتها عشرات المرات .. تأمل وتتمنى ان تكون الرابح .. ولرُبما كانت كُل المُتعة والإثارة في ان أوراق اللعبة ليست جميعُها بين أصابعك ..


تُعيدُ حِساباتك عِدة مَرات آملًا ان تكون صحيحة .. تُحاول جاهدًا قراءة وجوه مَنْ حولك لرُبما حَصلتُ على إشارة ما تُساعدك مِن إبتسامة ظفر او أنامل متوترة .. العالم من حولك يتلخص في ورقة قد تُصيب لتصعد بك عنان السماء وقد تُرديكَ إلى أسافل الأرض ..


إسقاط واقعي للحياة .. تجتهد وتبذل الجهد، تسعى وانت تعلم جيدًا انكَ لا تملك جميع أوراق اللعبة .. ولماذا تفعل ذلك؟ لأنه يجب عليك ذلك، فلا خيار آخر .. ان القدر أو الحظ او كيفما يسمونه يتلاعب بأوراقنا جميعًا .. يتلاعب بِنَا ويتلاعب معنا على حدٍ سواء .. وقَد تكون لُعبة جادة ولكن لا نُدرك أبعادها، فقد تفعل كل شيء وتخسر .. او لا تفعل شيئًا وتفوز .. ولا عجب!

في حياة كل مِنا موجة أما أن تعتليها في الوقت المُناسب لترتفع بك، أو تتأخر عنها فتهوى إلى القاع. 


لا ضمانات .. تلك هي القاعدة الاولى والوحيدة ..


مصائِرنا تتلاقى وتتقاطع على طاولة الحياة .. وكُلٌ يُحافظ على أوراقه بإنتظار القائها على الطاولة .. بإنتظار لحظة إعلان النتائج وكشف الأوراق .. بل كشف المستور.


انتَ لا تشعُر بأي شيء الآن .. لا تشعر بالكونِ ذَاته .. لقد صرت انتَ والورق كيان واحد مُتلاحِمْ .. وعيناكَ الزائغتان ما بين ورِيقاتُكَ وعيون اللاعبين الآخرين بإنتظارِ الحظ ان يُلقي كلمته ..


يا للنشوة الحَريفة التي تَعتصركَ الآن ..


من السذاجة أن تعتبر القمار مُجرد لُعبة .. ان المُقامرة مِنهاج حياة لدى المُقامِر، تسري في الدماء كالمخدرات .. ان نشوة المُقامَرة لديه تتجاوز نشوة الجنس مئات المرات .. تفوق الجوع، تتغلب على عطش التائه في البيداء للماء.


ها قد حان وقت كشف الأوراق .. عَرقكَ يَغمُرك بشدة رغم برودة الطقس .. أو قد تشعر بالبرودة تعتليك رغم الجو الخانق وحرارة الغرفة المُزدحمة .. لا يهم ..تتجمد أطرافك ويَجفُ لُعابكَ.. تسري رعشة خفيفة في يديك .. 

تكاد أن تخرج مُقلتاك من محجريهما؛ تغمض عينيك ..

الأدرينالين يفجر أوردتك .. ألف ألف ناقوس يدق برأسك .. وتشعر بقلبك يدق حتى لتكاد أن تجزم أن من حولك يسمعون دقاته؛ مِن ثم تفتح عَينيك لتُلاقي المصير ..


ربما كنت بإنتظارِ القاؤك تِلك الورقة على طاولة الحياة .. 

تأمل في ان لا يسهو الحظ عَنك فتصير بائس إلى الأبد .. 

ربما فزنا سويًا .. ربما خسرنا معًا .. 

و لكن لا تُنكر انها لُعْبة مُثيرة مُمتعة إلى أقصى حد لمن كان اللعب هو خياره .. فالمتفرجون قد لا يخسرون ولكنهم بالتأكيد لن يفوزوا ..


وبرغم كدك وتعبك، ولكن مهما حاولت فليس في يدك وحدك تتجمع أوراق اللعبة، وهنا يأتي دور الخوف.

وليس دائمًا ما نهرب خوفًا مِن شيءٍ ما،أحيانًا كثيرة قد يكون الهروب خوفًا على شيءٍ ما. 

الخطأ هنا يَكمُن في الخوف، الخَوف المُتمَكن قد يُفسد ما نحاول الحفاظ عليه، 

الخَوف ليس أن تموت، الخَوف ان لا تعيش حياتك، 

الخَوف لا يمنع الموت ولكنه يمنع الحياة.


وما الحياة إلا طاولة قمار، واللاعبون عرائس "ماريونت" تشدها خيوط القدر.

أ. مدحت صلاح 

 جمهورية مصر العربية 

   مجلة العربي الأدبية 


أ. مدحت صلاح .. نص " المقامر "


التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

مجلة العربي الأدبية

2022