-->
مجلة العربي الأدبية مجلة العربي الأدبية
recent

آخر الأخبار

recent
recent
جاري التحميل ...
recent

أ. محمود محمد زيتون .. مقال " وأد الجاهلية والقتل المعنوي"-مجلة العربي الأدبية




 وأد الجاهلية والقتل المعنوي! 



كتب أ. محمود محمد زيتون :

القتل المادي هو قتل النفس.! 

والقتل المعنوي هو اغتيال القلب ، و قهر الروح، ونزع أظافر الطموح ، وبتر أصابع الإرادة ، ووأد عدالة الحقوق.! 

وفي سورة «التكوير» يتجسد أمام أعيننا ذلك المشهد المروع الذي تعرضه الآيات عن مأساة وأد البنات في الجاهلية بإعجاز لغوي وبلاغة بيانية، و تكثيف درامي جليل الوصف، يأخذ بالقلوب ويثير الألباب، ويشير لعظم الذنب ، وقبيح الفعل وعدالة القصاص يوم القيامة..! 

«وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت». 

والموءودة هي المدفونة حية أو المثقلة بالتراب حتى الموت. فكان العرب في الجاهلية يحفرون لها الحفرة ، ويلقونها فيها، ثم يهيلون عليها التراب.! 

بأي ذنب قتلت ، إشعار بأنها لا ذنب لها فتقتل بسببه بل الجرم على قاتلها ، وسؤال الموءودة توبيخ لقاتلها ، فتتعلق بوائدها وتقول: بأي ذنب قتلتني، ويفسر ذلك (ابن عباس ) قائلٱ : 

كانت المرأة في الجاهلية إذا حملت، حفرت حفرة وتمخضت على رأسها ، فإن ولدت جارية رمت بها في الحفرة وردت عليها التراب ، وإن ولدت غلامٱ حبسته.! 

وقد جاء عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه - قوله: 

« أمران في الجاهلية ، أحدهما يبكيني ، والآخر يضحكني: 

فقد ذهبت بابنة لي لوأدها.. فكنت أحفر الحفرة ، وتنفض التراب عن لحيتي، وهي لا تدري ماذا أريد لها. فإذا تذكرت ذلك بكيت.» ! 

وكانت العرب تفعل ذلك مخافة الحاجة والإملاق أو خوفٱ من السبي والاسترقاق. 

وقد كان ذوو الشرف منهم يمتنعون عن هذا، حتى افتخر به (الفرزدق) فقال: 

ومنا الذي منع الوائدات

            فأحيا الوئيد فلم يوأد 

يقصد جده (صعصعة بن ناجية) الذي كان يشتريهن من آبائهن وقيل: إنه أفتدى ألف موءودة. 

والسؤال الذي يلح علي كثيرٱ: 

هل انتهي من عالمنا المعاصر الوأد والدفن حيٱ.؟! 

أم أن القتل المعنوي أشد ألمٱ واغتيالٱ.؟! 

إن القتل المعنوي، وأد للإنسان عبر تحطيم سمعته الاجتماعية أو مكانته العلمية أو المهنية. 

وتحطيم أحلام الأمم وطوحات الشعوب وأد

والتمييز بين الأجناس والطبقات وتفضيل الذكور على الإناث وأد.! 

وتهميش مكانة المرأة وتقزيم دورها وقهرها أدبيٱ واجتماعيٱ وحبسها داخل إطارها الأنثوي وأد.! 

وإهمال تربية الأبناء وتعلميهم علوم العصر وأد.! 

وقتل الروح بالكبت أو بالجحود بين الإخوة والأصدقاء وأد.! 

وخذلان القلوب وأد.! 

ولله در جبران خليل جبران حيث قال: 

فسارق الزهر مذموم ومحتقر

وسارق الحقل يدعى الباسل الخطر

وقاتل الجسم مقتول بفعلته

وقاتل الروح لا تدري به البشر.! 

أ. محمود محمد زيتون 

جمهورية مصر العربية 

   مجلة العربي الأدبية 

أ. محمود محمد زيتون .. مقال " وأد الجاهلية والقتل المعنوي "



     

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

مجلة العربي الأدبية

2022