⚜قراءة نقدية بقلم الأستاذ سليم بوشخاشخ
عن نص القصة القصيرة الفائزة بالدورة الرابعة من مسابقة كن كاتبا .
كتب أ. سليم بوشخاشخ:
نص القصة : للكاتبة الزهراء زويگ
قصة "البتول" للقاصة الزهراء وزّيكٌ هي أكثر من سرد سلس لأحداث محددة زمكانيا، بل هي توثيق أدبي فني عميق لظاهرة العلاقة بين المرأة والرجل في المجتمع القروي المغربي خاصة، والعربي عامة، واستعباد الأنثى من أجل راحة الذكر، كما تحيلنا على ظاهرة الهجرة القروية واستغلال وجهاء المدن لفقر القرى لاستعباد أهلها مقابل الفتات...
سأحاول من خلال هذه القراءة المتواضعة تسليط الضوء على بعض جوانب النص من حيث رمزيته وتقنيات السرد التي برعت فيها الكاتبة لتكسبه بريقه وتوهجه.
1- عنوان النص "البتول": البتول اسم نسوي شائع في البادية المغربية، لم تختره الكاتبة اعتباطا، فالبتول لغة، هي العذراء التي لم يمسسها بشر، وكذلك تطلق على الإنسان شديد العطاء والبذل، وكلا التوصيفين ينطبقان على البنت التي يصطحبها أبوها وهي محض طفلة بريئة لتنتهك عذريتها الإنسانية في بلاطات رياضات أغنياء المدينة، البتول التي تهب حريتها وحياتها من أجل إسعاد أبيها وأخيها، وبالتالي، فهذه الصفة/الاسم استخدمتها الكاتبة كرمز لاستغلال واستعباد الفتيات القرويات، وكعنوان للمجتمع الذكوري المستبد، واتخاذها عنوانا للنص هو بمثابة تلخيص للإشكالية المطروحة في كلمة واحدة
2- تناول النص ظاهرة مجتمعية ذات بنية دياكرونية:
لم تقتصر الكاتبة على تسليط الضوء على إشكاليتها باعتبارها واقعا معيشا، بل تعدت ذلك لإبراز كون هذه الظاهرة تعيد نفسها كنسق يتكرر عبر الأجيال وتدور به عجلة الزمن من جيل لآخر، وذلك من خلال إيحاءات تعبيرية جميلة،
" ..أتحسس وجةنتي وأنا أتذكّر تلك الأخاديد التي تنخر وجه أمي وتشتد عمقا كلما تشققت الأراضي في قريتنا، وجفت الآبار ونضبت العيون.."
هنا تبدأ الكاتبة إيحاءاتها للظاهرة، إذ أنها تتحسس وجنتيها وتسقطها على تشقق أخاديد أمها كلما عم الجفاف، جفاف الأرض وجفاف المشاعر الإنسانية، هذا الجفاف الذي تعاني منه الطفلة الصغيرة التي تتوق لمجرد ابتسامة من أبيها في زيارته السنوية، فلا تحصل عليها، وتنتظر بشوق زيارة أبيها أو أحد أفراد عائلتها لتروي ظمأها العاطفي، ستعاني بدورها من جفاف المشاعر الذكورية حتى تحفر على وجنتيها أخاديد كتلك المحفورة على وجنتي أمها، فالأم إسقاط لما ستؤول إليه البطلة خدوج، التي هي بدورها إسقاط للبتول أختها الصغرى التي ستأخذ نفس مسارها، ثلاثة محطات عمرية زرعتها الكاتبة في عجلة زمن تدور باستمرار لتتواصل مع تعاقب الأجيال، مبرزة حقيقة اجتماعية تنخر الأسرة القروية، وهي محو شخصية الأنثى وجعلها مجرد أداة ووسيلة لتوفير حياة أفضل للذكر، في علاقة جافة يطبعها الاستعباد. هذه العلاقة يتم توارثها جيلا بعد جيل وستحفر أخاديد على وجه خدوج وستلقى ابنتها نفس مصيرها.
3- توظيف وصف الفضاء لإيحاءات رمزية عميقة:
استعملت الكاتبة انتقالات وصفية عبر فضاءات مختلفة لإيصال فكرتها:
" ككل عام، ينقضي الصيف مخلّفا خلفه هكتارات من الأرض العطشى، وهكتارات من الأشجان تملأ القلوب الظمآى..": تصوير دلالي لجفاف الأرض وإسقاطه على المشاعر الإنسانية.
" كلما تشققت الأراضي في قريتنا، وجفت الآبار ونضبت العيون، كل هذا يتبدّى أمامي وأنا أراقب المدخل، إنه مدخل "رياض" الحاجّة.." : تنقلنا الكاتبة على لسان البطلة من جفاف الأراضي بالبادية مباشرة إلى مدخل الرياض بالمدينة لتلامس إشكالية الهجرة القروية التي ترمي بسكان البوادي في أحضان عبودية أعيان المدن، متعرضين لشتى أنواع الاستغلال، وذلك جراء ظروف الحياة الصعبة في القرية. فالوصف جاء للفضاءات والرمز لظاهرة مجتمعية مستشرية.
" وكلما انتقلت قدماي الصغيرتان من زليجة بيضاء إلى أخرى سوداء شعرت أنني لن أبرح هذا المربع الأسود،.."
صورت الكاتبة ببراعة المربع الأسود لبلاط تمسحه البطلة كسجن ضيق، ستبقى حبيسته من أجل أن يعيش أخوها حياة أفضل، ويتمكن أبوها من التغلب على مصاريف الحياة. انتقال الوصف المشهدي إلى الرمزية العميقة، جعل القارئ يخضع للعبة الدال والمدلول التي برعت فيها الكاتبة.
4- سرد قصصي بنفس روائي: كعادتها، تغوص بنا القاصة زهراء أوزيك في قلب المجتمع لتمرر فكرتها الأساسية دون أن تحرم القارئ من استرسال السرد والدخول في أدق تفاصيل الحياة مستخدمة براعة الوصف ومتانة اللغة بنفس روائي طويل ينتمي أكثر للمدرسة الكلاسيكية في القصة القصيرة التي تغلب المشهدية على التكثيف، وتمتع القارئ بالتفاصيل عوض الاكتفاء بأحداث مقتضبة توصل الفكرة.
5- قفلة تعيدنا لنقطة البداية: أنهت الكاتبة قصتها بمشهد يعيدنا لنقطة البداية، لتجعل القصة تعيد نفسها وتطرح إشكالية استدامة الظاهرة، دون اقتراح أي حل لها، فالغرض من النص تحسيس القارئ بالإشكالية وجعله يتعاطف معها مسلمة بذلك إلى حتميتها وتكرارها التعاقبي على مر الأجيال
كل التحية والتقدير للكاتبة القديرة، وكل التهاني والتبريكات لتألق قصو "البتول" ونيلها المرتبة الأولى عن جدارة واستحقاق.
أ. سليم بوشخاشخ.
المملكة المغربية
مجلة العربي الأدبية