-->
مجلة العربي الأدبية مجلة العربي الأدبية
recent

آخر الأخبار

recent
recent
جاري التحميل ...
recent

أ. عادل مناع .. مقال " دولة المغول الإسلامية في الهند " -مجلة العربي الأدبية



 دولة المغول الإسلامية في الهند


كتب أ. عادل مناع :

كان ضم الهند إلى رقعة الإسلام حلما يراود حكام المسلمين بدءًا من الخليفة عمر بن الخطاب، غير أنه خشي على المسلمين من ركوب البحر، وفي خلافة عثمان بن عفان والذي أرسل من يعاين هذه البلاد، استقر رأيه على عدم غزوها، فلما كان عهد علي بن أبي طالب، وجه إلى حدودها الحارث بن مرة البعدي، فأصاب من أطرافها مغنما ورجع، وظل القادة يطرقون حدود هذه البلاد حتى وجه الحجاج بن يوسف الثقفي الذي سير حملة على الهند.

عندما سمع الحجاج بأن قراصنة ديبل الذي كان يعرف بميناء السند حينذاك، قد أغاروا على السفن المبحرة من جزيرة سيلان إلى بلاد العرب، فكون الحجاج جيشا قوامه ستة آلاف من خيرة جنود الشام والعراق لغزو السند أمّر عليه القائد الشاب محمد بن القاسم، والذيث توجه إلى هذا الثغر، وأصدر أوامره باستهداف العلم المرفرف فوق برج المعبد بوسط المدينة بالمنجنيق، لأن أهل الثغر كانوا يعتقدون أن تعويذة تستقر تحته، فلما سقط العلم سقطت معه همم المدافعين المعادين واستسلموا.

عامل محمد بن القاسم أهل المدينة معاملة طيبة وترك فيها حامية دفاعية ثم توجه إلى نيرون على الضفة الغربية من نهر السند فأتاه وفد من الكهنة بأمان من الحجاج فأمنهم، فبنى فيها مسجدا، وظل يتقدم من فتح إلى فتح ومن مدينة إلى مدينة، منها ما يلاقي فيه مواجهة ومنها ما يستسلم أهلها، حتى توفي الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك، وتولى أخوه سليمان، والذي كان ساخطا على الحجاج وابن أخيه محمد بن القاسم، لأنهما وافقا الوليد في حرمان سليمان من ولاية العهد، فأصدر سليمان أوامره بعزل محمد بن القاسم عن ولاية السند، فاقتيد إلى العراق وتم تعذيبه حتى مات، وحزن عليه أهل السند حزنا شديدا.

ثم بعد ذلك استولى محمود الغزنوي على الدولة السامانية فحكمها تحت راية العباسيين، وامتدت دولته حتى شملت شمال الهند وأفغانستان وبلاد ما وراء النهر والجزء الأكبر من فارس، وحكم 34 عاما تمكن فيها من غزو الهند 17 غزوة، تمكن على إثرها من إقامة حكم ممتد للغزنويين في معظم بلاد الهند، ونتيجة لذلك انتشر الإسلام في ربوع الهند، وتعاقبت على بلاد الهند دول إسلامية كثيرة، كان آخرها في القرن السادس عشر، عندما جاء "بابر" بجيوشه المغولية المسلمة لتحكم دولته شبه القارة الهندية نحو ثلاثة قرون. 


المغول يحكمون الهند:  

وصل حكم المغول في شبه القارة الهندية إلى أرى صوره، وإلى أوسع مدى للمسلمين، ونشرت العقيدة الإسلامية في ربوع الهند، وتحول الملايين من أهلها إلى الدين الإسلامي، وقد عاصرت هذه الدولة دولتين كبيرتين في العالم الإسلامي، وهما الدولة الصفوية والدولة العثمانية، إلا أن دولة المغول في شبه القارة الهندية كانت أكثر تحضرا ورقيا. 

والمغول في شبه القارة الهندية من أصل المغول الذين غزوا العالم الإسلامي ثم أسلم عدد كبير منهم، وساروا لفتح بلاد ما وراء الهند رافعين راية الإٍسلام، حتى ازدهرت تلك المناطق في عهدهم، وقد أظهر حكام المغول تسامحا كبيرا تجاه الهنادكة وفتحوا أمامهم المناصب في البلاد وصاهروهم تأليفا لقلوبهم على الإسلام، ووصلت رغبة تأليفهم إلى أن بعض حكامهم ابتدعوا مذهبا جديدا يقوم على التوحيد ولكن تذوب فيه عقائد الهنود على اختلاف طوائفهم، وشجعوا الهنادكة على الاهتمام بتراثهم القديم، فأسهم ذلك في ازدهار الحضارة الإسلامية الهندية.


أهم سلاطين دولة المغول الإسلامية في الهند:

تعاقب على حكم الهند طيلة حكم المسلمين فيها عبر ثلاثة قرون، عدة سلاطين أقوياء، ونذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر:


أولًا: ظهير الدين محمد بابر:

وهو من العائلة الجغتائية، ينتسب إلى تيمور لانك، حكم البلاد وهو في سن 13 عاما خلفا لأبيه عمر بن أبي سعيد بن محمد بن ميرانشاه بن تيمور، من بلاد ما وراء النهر في أندجان، ثم رحل إلى كابل وأقام بها فترة من الزمان، ثم دخل بعدها الهند وتولى الملك وسكن بلدة آكرة، ودانت له معظم بلاد الهند.

ويعتبر هو مؤسس الدولة التيمورية في الهند، وقد نشأ في بيت ملكي، وحرص أبوه على تثقيفه، وبعد أن ضم بلاد ما وراء النهر فقد ملكه، وانهزم أمام ملك بخارى، لكنه وطد ملكه في كابل وأسس مملكته عام 1504م، واستنجد به اللودي حاكم لاهور ضد ابن عمه، فانتهزها فرصة وسار باثني عشر ألفا من الجنود مزودين بالمدافع الحديثة، فهزم عدوه ودخل دهلى فاتحا ونودي ملكا عليها في أبريل 1526م، ثم واجه بعدها تكتلا ضخما من الهندوس والمسلمين معا، فهزمهم وطاردهم.

اتجه بابر نحو الإصلاحات الداخلية بعدما استقرت الأوضاع في البلاد، فقام بحفر الترع وتمهيد طرق السفر وغرس الأشجار والبساتين ومحلات البريد من آكره إلى كابل، وقد تمت كل هذه الإصلاحات والفتوحات لهذا القائد في غضون خمس سنوات هي فترة حكمه للهند، حيث مات وهو السابعة والأربعين عام 1530، أوصى قبلها أن يدفن في كابل فدفن فيها، وأوصى بالحكمثانيًا: جلال الدين أكبر:

وهو جلال الدين محمد بن همايون بن بابر، تولى الحكم بعد والده وهو في الثالثة عشرة، وناب عنه أحد الأمراء حتى بلغ أكبر سن الرشد، وكان رحيما مقداما، وكانت فترة حكمه أطول من حكم أي سلطان مغولي، واجتمع لديه من أهل السيف والقلم ما لم يجتمع لغيره من الملوك، وفي مدة حكمه التي بلغت 51 سنة، فتح كشمير وبلاد السند وبلاد بنكاله، وبجرات، ومالوه، وبرهانبور وغيرها.

تولى أكبر الحكم في ظروف صعبة، حيث الفوضى والطواعين تجتاح البلاد، في ظل تنازعات سياسية وعسكرية، لكنه استطاع أن يخضع العديد من المدن، وانفرد بحكم شبه القارة الهندية عام 970ه، وكان هذا الرجل ذا دهاء وحيلة، فحتى يتفادى الفتن الطائفية، قرب إليه زعمام الهنادكة، وولاهم المناصب الرفيعة في البلاد، وساوى في المعاملة بين المسلمين والهنوس، وقد أتت هذه السياسة أكلها، حيث تفانى في خدمته الهندوس، وسمح للمسلمين من التزوج بنساء الهنادكة، وزوج ابنه نور الدين محمد جهانكير من امرأتين هندوكيتين لأجل هذا الغرض.

نتيجة اتباع أكبر هذه السياسية التقريبية، اتسعت مملكته لتشمل سائر بلاد الهند إلا طرفها الجنوبي الذي كان يخضع لبيجابور وكولكنده الإسلاميتين وفيجايانكر الهندوسية، وسلم إليه بصفة نهائية رجوات الهند الذي حكموا وسطها في راجيوتانا وكواليار، وتحمس الهندوس لسياسات أكبر بصورة كبيرة، فتألفت مملكة جلال الدين أكبر من ولايات عديدة، منها: كابل وقندهار والسند وملتان ولاهور وكشمير وأوريسه الواقعة على ساحل خليج البنغال، وغيرها من المدن والبلدان.

في أواخر عهد جلال الدين أكبر، تألفت شركة الهند البريطانية عام 1600م، وتواصل عملاء الشركة مع أكبر، وحصلوا منه على عدد من الامتيازات التجارية ، كما أنه استقبل في بلاط قصره السير توماس رو، أول سفير للملك جيمس الأول.

عندما كان أكبر في الداكن، بلغه نبأ عزم ولده سليم على الاستقلال بالحكم، وحين وصل إلى أكرا، أرسل إلى ولده سليم فجاءه معتذرا، وفي عام 1604م توفي ولده دانيال فحزن عليه حزنا شديدا، فتوفي على إثر ذلك بعد أربعة أشهر من وفاة ولده، وقد مكث في الحكم خمسين عاما، وتوفي في سن الثالثة والستين، ودفن في إسنكدر أباد.


ثالثا: أورانك زيب:

بعد وفاة أكبر، تولى ولده شاهنجهان الحكم، فأولى ولده أورانك زيب رعاية فائقة، وعهد بتربيته إلى الشيخ أحمد السرهندي، حتى كبر وصار أعظم ملوك المغول المسلمين الذين حكموا الهند، وحكم 52 عاما، امتلأت أيامها بالحروب والصعاب، وكان يقود الجيوش بنفسه ، ويضم الممالك تلو الممالك إلى مملكته حتى اتسعت رقعتها، ولم يعرف طعم الراحة إبان حكمه.

وفي عهد أورانك زيب، توسعت مملكته حتى بلغت حدودها من الهيمالات في الشمال، إلى شواطئ البحر في الجنوب، وقامت في عهده عدة اضطرابات وثورات منها ثورة الراجبوت الذين نقضوا العهد وامتنعوا عن أداء الجزية، فأرسله لهم ولده محمد أكبر ليقضي على تمردهم، كما ثار المراهتا على أورانك زيب وكان أميرهم يتحين الفرصة ليعلن العصيان على زيب، فصك النقود باسمه وهاجم الحجاج في مدينة سورت، وظل متمردا حتى طلب العفو فعفا عنه محمد أكبر، لكن أورانك زيب كان يقظا لهم، حتى قضى عليهم تماما عام 1116م.

ورغم انشغاله في الفتوحات والحروب، إلا أن أورانك زيب لم ينصرف عن النظر في شؤون الرعية، فأزال الأفكار التي تركها جلال الدين أكبر والتي أدت لكثير من المشكلات الدينية، وقام بتعديل الضرائب وخففها عن الفقراء، وقام بمد الطرق العظيمة، وبنى المساجد في كافة أرجاء البلاد ونصب لها مدرسين وأئمة، وأنشأ دور العجزة ومستشفيات المعتوهين، وطبق العدل والقانون على الناس جميعا، ودون الأحكام الشرعية والفتاوى في كتاب واحد مشهور يسمى بالفتاوى الهندية، وتوفي عام 1118م في ميدان القتال عن عمر يناهز التسعين عاما. إلى ابن همايون.

حضارة المغول المسلمين في الهند:  

نظام الحكم:

كانت السلطات المدنية والدينية والعسكرية في يد السلطان، وكلما كان قويا كلما تماسك المجتمع فازدهرت البلاد عندما حكمها سلاطين أقوياء، وكان الأمراء في قبضة السلطان كذلك، وكانت أراضي الدولة منها ما يقطع للقادة والأمراء على أن ينفقوا على الجنود في الحروب، ومنها ما يتم استئجاره على مبلغ سنوي، وكان الجيش يتبعه السلطان رأسا ويتلقى رواتبه من خزينة الدولة ، وقام السلاطين المغول بتنظيم شؤون الدولة وعملوا نظاما للبريد ومهدوا الطرق وراجت التجارة في عهدهم، واهتموا بالعدل ومراقبة التجار والأسواق. 

المجتمع:

لم يعتن مؤرخو الهند إلا بحياة السلاطين، ولم يلتفتوا إلى الكتابة عن أحوال المجتمعات إلا في نطاق ضيق، والمجتمع المغولي كان مجتمعا إقطاعيا ، وكان أواسط الناس والمهنيين والحرفيين والصناع يعيشون بين العسر واليسر، بينما كان أصحاب المهن الدنيئة والخدم يعيشون في شظف من العيش وكانوا أشد الناس بؤسا حين المجاعات، وفي المقابل كانت هناك طبقات الملوك والأمراء تعيش في رفاهية ، وقد اهتم جلال الدين أكبر وأولاده من بعده بأحوال هذه الفئات.

الصناعات:

كان أكبر هو أول من أولها عناية خاصة، فكان في عهده مائة مصنع للنسيج والأسلحة والصباغة كل مصنع منها بحجم مدينة، وكانت أهم المدن الصناعية في الهند لاهور وآكرا وأحمد أباد، ويتم تصدير المنسوجات الفاخرة إلى الخارج، كما كان تصدر بضائع الصوف والتوابل.

العمارة:

اهتم البابريون بالعمارة وأسرفوا في الإنفاق عليها حتى ظهر في عهدهم طراز معماري كان مزيجا من الفنون الإسلامية والهندوكية عرف في العالم باسم الطراز المغولي ، ومما ذاع صيته في الطراز المعماري المغولي مدينة تاج محل الشهيرة التي أنشأها السلطان شاهجهان، وأنشأ كذلك مدينة دهلى، والتي أنشئت على طراز فريد ، وقلد الأمراء المسلمون في مختلف الإمارات الهندية طراز العمارة المغولية. 

الحركة الفكرية:

لم يكن سلاطين المغول المسلمين في الهنود يرعون الحركة الفكرية فحسب، بل أسهموا فيها بجهودهم الفردية، فمن ذلك السيرة الفذة التي دونها السلطان بابر والتي كشفت عن سعة ثقافته في مختلف المجالات والفنون واللغات، وكانت نساء البيت المغولي شغوفات بالأدب وكتبن فيه دواوين شعرية، وكان همايون يصطحب مكتبته في جميع أسفاره، كما عمل جلال الدين أكبر على إحياء الآداب السنسكريتية، وظهرت طبقة متميزة من الشعراء والأدباء والكتاب، وألفت العديد من الكتب التي تمثل جزءا حيويا من التراث الإسلامي.


نهاية دولة المغول في الهند:

يعد السلطان أورانك زيب آخر السلاطين المغول العظام الذين حكموا الهند، وبوفاته، تعاقب على حكم هذه البلاد ملوك ضعاف، أفسحوا مجالا للنفوذ الأجنبي، وازداد ضعفهم حتى تحكم فيهم الإنجليز وصاروا يولونهم ويعزلونهم، وظل الحكام على هذه الحال من الضعف إلى أن سقط آخ سلطان مسلم حكم الهند وهو بهادور شاه الثاني عام 1857م، وارتكب الإنجليز مذبحة بشعة بحق أسرته، فقاموا بذبح أبنائه الثلاثة وهو يشاهدهم، وطبخوا له من لحومهم وأجبروه على الأكل منها، وكان هذا آخر عهد المغول المسلمين في تاريخ الهند.


خاتمة:

لقد كانت دولة المغول في الهند إحدى الدول غير العربية التي تسيدت العالم الإسلامي في وقتها مع قوتي العثمانيين والصفويين، إلا أنها كانت أكثر مدنية وتحضرا منهما، وقد ترك سلاطين المغول في الهند تراثا عظيما من العمارة والآداب والفنون، وقدموا للإسلام خدمات عظيمة، ودخلت الهنادكة في عهدهم الإسلام طواعية بسبب السياسات الانفتاحية لسلاطين المغول.

لكن التاريخ يعيد نفسه، ويكشف لنا أن الغفلة عن الكيد الخارجي وفتح المنافذ أمام نفوذ القوى الخارجية بدون وعي، تتجرع الشعوب كأس مرارته وتحصد أشواكه، إذ الدولة في عهد قوتها قد تغفل عن خطورة هذا الأمر، وما إن تأخذ في الضعف حتى تجد نفسها واقعة تحت التسلط الأجنبي، وهو ما حدث مع البريطانيين إبان الحكم المغولي الإسلامي في الهند.




المراجع:

1. حازم محمد أحمد محفوظ، ازدهار الإسلام في شبه القارة الهندية، (القاهرة: الدار الثقافية للنشر، 2004م).

2. عبد الحي بن فخر الدين الحسني، الهند في العهد الإسلامي، (الهند: دار عرفات، 2001م).

3. أحمد محمود الساداتي، مقدمة كتاب تاريخ المسلمين في شبه القارة الهندية وحضارتهم: الجزء الثاني: الدولة المغولية، (القاهرة: المطبعة النموذجية، 1959م).

4. جمال الدين الشيال، تاريخ دولة أباطرة المغول الإسلامية في الهند (بورسعيد: مكتبة الثقافة الدينية، 2001م).

5. عبد المنعم النمر، تاريخ الإسلام في الهند، (بيروت: المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، 1981م).

  أ. عادل مناع 

جمهورية مصر العربية 

   مجلة العربي الأدبية 

أ. عادل مناع .. مقال " دولة المغول الإسلامية في الهند"


التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

مجلة العربي الأدبية

2022